"إسرائيل" تبتلع لسانها بعد معادلة «ميونيخ» ـ هتلر ـ إيران
بعد أن حاولت استعراض عضلاتها في مواجهة الإدارة الأميركية اضطرت إسرائيل لابتلاع لسانها والاعتذار علناً عن البلاغ الذي قارنت فيه بين الاتفاق النووي مع إيران واتفاقيات ميونيخ التي سبقت الحرب العالمية الثانية.
وأصدرت وزارة الحرب الإسرائيلية بياناً قالت فيه إنها لم تكن تقصد المقارنة التاريخية والشخصية بين الاتفاق النووي واتفاقيات ميونيخ. وجاء الاعتذار الإسرائيلي العلني بعد رفض الإدارة الأميركية المحاولات الإسرائيلية للتخفيف من حدة أثر بلاغ المقارنة، وبعد أن تبين أن لعدم الاعتذار عواقب خطيرة. وبحسب معلقين إسرائيليين، فإن هذا هو الاعتذار الأول في تاريخ وزير الحرب أفيغدور ليبرمان السياسي.
وجاء في البيان الإسرائيلي أنه يصدر «في ضوء المعاني الخاطئة التي نسبت في وسائل الإعلام لبلاغ المؤسسة الأمنية يوم الجمعة الفائت، والذي أشار إلى اتفاقية ميونيخ». وكان البلاغ الإسرائيلي قد قال بوضوح إن «اتفاقيات ميونيخ لم تمنع الحرب العالمية الثانية ولا المحرقة، بالضبط لأن فرضيتها الأساس، أن ألمانيا النازية يمكنها أن تكون شريكاً في أي اتفاق كانت خاطئة، ولأن زعماء العالم حينها تجاهلوا الأقوال الصريحة لهتلر وباقي زعماء ألمانيا النازية».
وأعاد بيان وزارة الحرب الإسرائيلية التأكيد على التعاون بين المؤسستين الأمنيتين الأميركية والإسرائيلية، وقال إن «الفارق بين الموقف الإسرائيلي عن الموقف الأميركي لا يضر بأي شكل بالتقدير العميق للولايات المتحدة وللرئيس الأميركي لإسهامهم الهائل في أمن إسرائيل القومي وللأهمية الهائلة التي نعزوها للتحالف الصلب بين الدولتين». وكان لافتاً إقرار وزارة الحرب الإسرائيلية بأن إيران تفي حالياً بتعهداتها في الاتفاق لكنه أشار إلى أن «إسرائيل ظلت قلقة جداً من أنه بعد الاتفاق النووي مع إيران، واصلت القيادة الإيرانية إطلاق التصريحات بأن هدفها المركزي هو تدمير دولة إسرائيل، وتواصل تهديد وجود إسرائيل بالأقوال والأفعال».
واعتبر معلقون أن وزير الحرب
الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، صاحب نظرية «القامة القومية المنتصبة»، تعلم بقسوة واعتذر لأول مرة في حياته السياسية. وأشار المراسل السياسي لـ «هآرتس» باراك رابيد إلى أن ليبرمان الذي يتباهى بأنه لا يغير مواقفه على مر السنين، اضطر لتغيير موقفه بأسرع مما كان يتوقع. فقد تراجع علناً عن المقارنة التي عقدها مع اتفاقية ميونيخ ولأول مرة في السنوات السبع الأخيرة منذ توليه مناصب عليا يستخدم كلمة «يعتذر». وأوضح أن أحداً لا يعلم سبب إصدار ليبرمان بلاغه الأول سواء كان مهاجمة أوباما أم إحراج نتنياهو، على الرغم من التقدير بأن المستهدف كان رئيس الأركان الجنرال غادي آيزنكوت. فلا شيء يكرهه ليبرمان أكثر من الظهور وكأنه ينقاد خلف مرؤوسيه.
في كل حال، فإن 72 ساعة فصلت بين بلاغ مهاجمة الاتفاق النووي وبيان الاعتذار، حملت الكثير من التطورات خلف الكواليس. فقد أجرت إسرائيل اتصالات مكثفة مع جهات أميركية لمنع تصعيد الموقف خصوصاً أن نتنياهو سارع إلى التنصل من بلاغ ليبرمان خلال أقل من ساعة واتصل بالسفير الأميركي دان شابيرو. ولكن الإدارة الأميركية لم تقتنع بالتبريرات الإسرائيلية وسارع مسؤولون أميركيون للربط بين البلاغ والمفاوضات حول مذكرة التفاهم للمعونة الأميركية العسكرية لإسرائيل للعقد المقبل. ويبدو أن الغضب الأميركي وصل إلى نتنياهو الذي ترك للسفير الأميركي، شابيرو، فرصة مساعدة ليبرمان في النزول عن الشجرة وتقديم الاعتذار.
وأبلغ ليبرمان شابيرو أن ما جرى كان «خطأ» وأنه «يصعب السجال حول هذا التوصيف». وإذا كان ليبرمان في البداية لم يفهم عواقب المقارنة التي أجراها فإنه بعد ما حدث فهم ذلك وعرض عدة مسودات اعتذار على شابيرو، إلى أن وصل الأمر إلى البيان الرسمي. وحاول ليبرمان في بيانه اتهام الإعلام بأنه ألهب المشاعر لكنه في نهاية المطاف اضطر للاعتذار علناً.
وفي مقالة بعنوان «الذيل والكلب» كتب بن كسبيت في «معاريف» أن إسرائيل فقدت احترامها أمام أميركا. وأشار إلى أن ليبرمان والمحيطين به كانوا يأملون أن الأميركيين لم يقرأوا ولم يسمعوا شيئاً عن البلاغ، لكن بيان الاعتذار يثبت أنهم أدركوا أن أملهم خاب. فأحد ما في واشنطن أوضح لأحد ما في تل أبيب أنه لا نية لأحد في ابتلاع بلاغ وزارة الحرب وهكذا فإن أحداً في إسرائيل اضطر للتنازل عن كرامته الذاتية وتقديم اعتذار. واعتبر أن بلاغ وزارة الحرب لا ينم لا عن حكمة ولا عن ذكاء وأنه نتاج عقل ثمل.
واعتبر المراسل السياسي لموقع «والا» أمير تيفون أن ليبرمان اضطر لاكتشاف أميركا من جديد. وكتب أنه بعد لف ودوران اضطر ليبرمان إلى إصدار بيانه الثاني الذي كان «مزيجاً من التوضيح، إبداء الأسف واتهام وسائل الإعلام». وتساءل عن الدافع وراء نشر ليبرمان بلاغات حادة ضد إدارة أوباما فور إنهاء رئيس الأركان لزيارة ناجحة لواشنطن. وشكك في أن تصفح أميركا عن «أخطاء» إسرائيلية كهذه.
ولاحظت صحيفة «يديعوت» أنه في الأيام القريبة يفترض إبرام اتفاقية المعونة العسكرية الأميركية لإسرائيل. وقالت إنه بعد أقوال ليبرمان، وعلى الرغم من الاعتذار، ليس واضحاً متى يتم التوقيع وهل سيقرر الأميركيون معاقبة إسرائيل على هذه القضية.
أما المعلق العسكري في «يديعوت» أليكس فيشمان فكتب تحت عنوان «محق ولكن ليس حكيماً»، أن أوباما قال ما سمعه من قادة إسرائيليين عن التزام إيران بتنفيذ التزاماتها بشأن تخصيب اليورانيوم وتفكيك المفاعل البلوتوني، واستخدم ذلك في مواجهة للكونغرس الذي يحاول فرض عقوبات على إيران. ولكن ليبرمان لم يفهم أن عليه تجنب التنازع مع أميركا خصوصاً وأنه قدم قائمة طويلة بطلبات عسكرية منها. وهذا ما قاد إلى اعتبار مواقف ليبرمان ودوافعه مجرد لغز محيّر: «فمن يطلب هذا القدر الكبير من الإدارة الأميركية، لا يمكنه أن يبصق في وجهها».
لا تعليقات في " "إسرائيل" تبتلع لسانها بعد معادلة «ميونيخ» ـ هتلر ـ إيران "