حروب تثير النزاع في "إسرائيل" جراء الفشل
مثلما وفرت الذكرى العاشرة لعدوان تموز على لبنان فرصة للإسرائيليين لاستذكار مشكلات جيشهم في مواجهته للمقاومة شكلت الذكرى الثانية للحرب الإسرائيلية على غزة فرصة لتصعيد السجال حول هذه المشكلات ذاتها. وإذا كانت الحملة الإعلامية والشعبية أثناء الحرب على لبنان أفلحت في تشكيل لجنة تحقيق رسمية أسهمت في الإطاحة برئيس الحكومة حينها إيهود أولمرت وبرئيس أركانه دان حلوتس فإن الحملة لتشكيل لجنة مشابهة بشأن الحرب على غزة بدأت متأخرة.
وتظهر من جديد مشكلة خطر الأنفاق التي أسهمت في إظهار محدودية قدرة الجيش الإسرائيلي، رغم كل ما يمتلك من قدرات وقوة نارية في مواجهة قطاع شبه أعزل.
وخلافاً لما كان شائعاً وقت الحرب من عدم توفر نية لدى القيادة الإسرائيلية للإطاحة بسلطة حركة حماس في غزة، فإن ما توحي به تصريحات وزير الدفاع الحالي، أفيغدور ليبرمان هي العكس التام. فهو يعلن جهاراً نهاراً أن أي حرب مقبلة مع القطاع سوف تكون الأخيرة وستستهدف الإطاحة بحكم حماس. وبديهي أن الهوة واسعة بين الأقوال والأفعال خصوصاً في ظل المواقف التي يبديها الجيش الإسرائيلي والتي تظهر حذره من تدهور الأمور نحو مواجهة شاملة في القطاع.
فقد أثبتت الحرب الأخيرة على غزة أن «نظرية الضاحية»، وهي خلاصة الحرب الإسرائيلية على لبنان، عجزت عن تركيع القطاع رغم تعرّضه للحصار الشامل. فنظرية استخدام المزيد من القوة، رغم إعلانات الإسرائيليين المتكررة أنها تشكل جوهر موقفهم، تصطدم بواقع عنيد وهي عجزها عن تحقيق غاياته المعلنة. وهذا ما يقود القيادات السياسية في إسرائيل إلى الإكثار من الحديث عن أن الحرب، سواء على لبنان عام 2006 أو على غزة عام 2014، أفلحت في خلق ردع قوي فرض الهدوء على الحدود. وكثيراً ما تباهى قادة إسرائيل بأن الهدوء القائم على الحدود مع لبنان هو نتيجة مباشرة للردع الذي أفلحت إسرائيل في تحقيقه باستخدامها العنف المفرط لـ «كي الوعي» حسب وزير الدفاع السابق موشي يعلون. واليوم يعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن حربه على غزة وفرت في العامين الماضيين فترة هدوء هي الأشد منذ حرب 1967.
وبديهي أن أغلب الخبراء العسكريين يرون أسباباً مغايرة للهدوء على الجبهة اللبنانية وأيضاً على جبهة القطاع. وفي نظرهم ليس للردع قيمة كبيرة، لأنه لم يمنع لا حزب الله ولا فصائل المقاومة في القطاع، خصوصاً حماس والجهاد الإسلامي من التعاظم. ومن بين عوامل وأسباب الهدوء حرص المقاومة في كل من لبنان وغزة على عدم تحميل جمهورها ما هو فوق طاقته، خصوصاً في ظل الظروف الاقتصادية القائمة. وعدا ذلك فإنه إذا كان للردع من قيمة فإنه في كل الأحوال ردع متبادل حتى في ظل وجود فوارق القوة. فمثلاً لا يسهل على إسرائيل شن حرب وهي تعلم أنه ليس بوسعها حسمها خلال فترة قصيرة وفي ظل تعرض جبهتها الداخلية للقصف الصاروخي. وهذ ما حدث طوال أيام الحرب في لبنان وما حدث طوال 52 يوماً من الحرب في غزة.
ومع ذلك، فمن المهم الإشارة إلى أن الإسرائيليين لا يوهمون أنفسهم بأن الحرب صارت مستبعَدة. وطوال الوقت يكثر الخبراء والمعلقون من الحديث عن احتمالات التدهور نحو حرب من دون أن تكون موجودة النية لدى أطرافها. وهذا يسري على لبنان وغزة في الوقت ذاته نظراً لوجود المقاومة وتجذرهما هناك. وفي هذا السياق يكتب المعلق الأمني لـ «معاريف»، يوسي ميلمان أنه «مع مرور عامين على عملية الجرف الصامد، لا يوجد لدى رئيس الحكومة ووزير الدفاع والكابنت والجهاز الأمني والعسكري في اسرائيل، أي خداع للذات. من الواضح لهم أن اسرائيل ستضطر في وقت ما الى الخروج في حرب جديدة، رابعة، ضد حماس في قطاع غزة. ولكن في المقابل، تتعزز القناعة في اسرائيل أنه تجب مضاعفة الجهود من أجل إبعاد خطر المواجهة العسكرية لسنوات اخرى على الاقل».
وفي نظر ميلمان فإن «إبعاد خطر المواجهة المقبلة يتعلق بقدرة ردع الجيش الإسرائيلي، التي ما زالت ناجعة حتى الآن من خلال بناء العوائق الأرضية وتحت الأرضية، ضد الانفاق وتحسين استعدادية الجبهة الداخلية. ولكن اذا كانت هذه الامور تعمل على إبعاد اندلاع المواجهة، فمن الواضح أن التهديد الأكبر للهدوء السائد منذ سنتين في الجنوب هو الوضع الاجتماعي – الاقتصادي المتدهور جداً لاغلبية سكان القطاع الذين يبلغ عددهم 1.8 مليون نسمة».
كما أن المعلق السياسي في «يديعوت»، إيتان هابر شدد بعد عامين على حرب غزة على «فشل الانتصار». وينقل إيتان عن قائد لواء غولاني في الحرب الأخيرة على غزة قوله إن «الدرس الذي تعلمناه او الذي كان يتعين علينا ان نتعلمه هو أن حماس هي منظمة تتعلم. رجالها تعلموا الدروس من الحملات السابقة وقرروا ان يفاجئونا بالقتال في بعد غير عادي، أصعب بكثير لدرجة المتعذر، الانتصار عليه». والمفاجئ أن المسألة ليست الأنفاق في غزة وإنما «موقف المجتمع الإسرائيلي من الحروب»، حيث كان «ترك الانتصار الاكبر لحرب الايام الستة أثراً نهائياً على الجيش الاسرائيلي كجيش لا يعرف الا الانتصار. أما حرب يوم الغفران الفظيعة فرأيناها كخلل».
وفي نظر إيتان فإن «خيبة الأمل من نهاية حملة الجرف الصامد تنبع من سبب واحد ووحيد: الشعب في اسرائيل يريد انتصاراً مطلقاً، لا لبس فيه، نهائياً. وهاكم بالضبط الأنباء السيئة: أغلب الظن لن تكون بعد اليوم حروب من هذا النوع. فلم يعد منذ الآن على الرف حرب تنهي كل الحروب (إلا إذا كانت هذه حرباً نووية)».
لا تعليقات في " حروب تثير النزاع في "إسرائيل" جراء الفشل "