زوجة الشهيد محمد الفقيه تكتب .. رسالة إلى المجهول
هديل الفقيه |
لحظات... صدقاً إنها مجرد لحظات معدودة تفصل بين السعادة والتعاسة ... فإما فرح سرمدي وإما حزن لا متناهي يكاد أن يتجاوز حدود الأبدية بآلامه ...
في مثل هذا الشهر... شهر زفافنا يا محمد ... كنت أتجول في الأسواق بحثاً عن أجمل فستان أبيض أرتديه لك... فستان يليق بفرحة انتظارنا في يوم عمرنا الموعود .. والآن .. أتجول في أنحاء غرفتي المظلمة بحثاً عن زجاجة عطرٍ فارغةٍ؛ لعلها تحمل بعضاً من عبق رائحتك الزكية... أبحث عن قصاصة ورق قد خطت أناملك بها حروفاً من سيل حبك وحنانك الذي لطالما أغدقت علي منه..
أما والله قد وعدتني يا حبيبي بقصر في الجنة؛ أزف لك فيه أميرة في لحظة ما ... ولعلك كنت تخاطبني بذلك لتصبر قلبي على نار فراقك.. ولكن .. كم أتمنى لو أن تعود لبرهة قليلة فقط من الزمن، لأخبرك كم هو فراقك صعب.. وكم أن الحياة حتى في أمل انتظار ابنك هي ككأس من العسل المسموم... لا أطيقه ولا أستطيع أن أتخلى عنه رحمةً بطفلنا الصغير ... لأخبرك وإن قتلوك مرة... فإني أقتل في اليوم ألف ألف مرة في غيابك.. لتحتضن عيناي مقلتا عينيك للحظة؛ وإن كانت في سرعتها كسهم وداع أطلق في أفق السماء، فذهب ولم يعد...
إنه الرحيل... وإلى المجهول.. المجهول الذي لطالما كنت خائفا منه... أتذكر حينما قلت لي ذات يوم... "لا أخاف أن يفرقنا الله يا هديل.. فأنا قد طلبتك من ملك الملوك. ولن يخيب ظني أبدا.. ولكني أخاف من ظلم الحياة والناس.. إنها رهبة فراقك المستحيلة...." لم أفهم حينها ماذا كنت تقصد.. ولكن بتُّ أدري الآن.. إنه الموت...الموت...الموت...
لحظات لا تعد ولا تحصى... حياة جمعتنا فأسعدتنا... فموت فرقنا وعذبنا... فحياة ننتظرها لطفلنا لعلها تحيي رماد الذكريات بيننا... فموت يطيب لي ذكره وميعاده إن كان في رضى الله وعلى عجل في لقائك..
أنا انتظرك فهل يا ترى أنت تنتظرني وعلى وعدك يا محمد...؟
أنا وأمك وكل من يحبك مشتاق لمرآك يا نور العين ونبض القلب، فهل أنت على الدرب مشتاق لنا...؟
-أعلم بأن الشهيد حي يرزق... وقيل لي بأنه يشعر بنا وبآلامنا... فيا رب.. كلمات كتبتها من القلب لعلها تصل إلى عبدك وحبيبك محمد؛ الذي هو في جوارك الآن .. قد اصطفيته علينا ولا نزكيه عليك...
فأفرغ علينا صبراً وارحمنا وإياه يا الله واجمعنا به في دار السلام.. في مقعد صدق عند مليك مقتدر... في عالم آخر حيث لا ألم ولا حزن ولا فراق.... على أمل اللقاء... رحمك الله يا محمد...
بقلم.. زوجتك المخلصة لك على الدوام.. هديل الفقيه
لا تعليقات في " زوجة الشهيد محمد الفقيه تكتب .. رسالة إلى المجهول "